يفرح
المرء اذا رأى عجوزاً يضحك من ملئ فيه ! ويرى ان الدنيا لم تزل بخير !
ويزداد فرحك اكثر اذا سمعتَ لضحكته قهقهة وقرقرة ! وتتعجب أكثر اذا كانت
ضحكته تلك تموج موجاً وكأنها الرالي في صحراء متعرّجة تضطرب دون نغم واحد
لترى ان ضحكته تخرج عبر اللثة فقط التي لا اسنان فيها ! فقهقهته تلك
وقرقرته هذه مردّهما الى فلسفته في الحياة ! حيث يشعر أنه شبع منها وأنه ما
يزال يرى الدنيا بخير ويقول لمتاعها ولذاتها انا بخير فهل من مزيد ! لكنني
اقتربت منه لأعرف سرّ ضحكته ! وأتملى من أسرار جعبته ! لأنال
سهماً أصيد به سرورا ! وأتصيد منه حبورا ! لكن الذي لفت انتباهي أنه كان
يشير إليّ بسبابته اليمنى ويفرك شاربيه بإبهامه الأيسر ! اقتربت منه وأنا
اتعجب مما هو فيه من ضحك واختصاصي منه بالاشارة ! قلت له بلغة الوقار :
مهيم ؟! قال أعوذ بالله من الهمّ ! قلت له أقصد ما وراؤك ؟ وما هي أخبارك ؟
وما الداعي لهكذا ضحك كي اشاركك الفرحة ! ولِمَ تشير اليّ بسبابتك ! قال
بعد أن هدأت أمواجه واستقرت سفينة ارتجاجه ! وكأنني بأسئلتي قد كسرت قنديل
زُجاجِه ! قال : حين رأيتك تمنيت لك المستقبل الزاهر حيث للشباب عنفوانه !
وللفتوّة أرجوانه ! (لمْ أؤاخذه على ألفاظه من التذكير والتأنيث فهو مما لا
تطمع منه الا ان يتكلم وهذا هو شأنه !) قلت له : صحّ بصرك لقد بلغتُ أنا
كما بلغتَ أنت من الكِبَر عتيّا ! وارتوينا من الشباب غيّا ! ألم تشاهد على
وجهي لكمات السنين وصدمات الحنين والتواءات الجبين ! يرحمك الله يا كبير
السنّ قد ضاع مع الأسنان من فيك رؤية الغير من جفيك ! فالنظر والاسنان ثلثا
الحياة ولا مستقبل بعد فقدانهما يُنتظر ! قال : بيني وبينك شاهد عدل قلت
ما هو قال القلب قلت كيف أره ؟ وكيف أعرفه ؟ قال تعرف ابناءه وشواهده !
فمنه الابتسامة تصقل الوجه وعبراته ! وتشعل مصابيح النور عبر قسماته ! واذا
احببت الناس واحببت لهم الخير تجني المسرّة من تبعاته ! قلت له اشكرك هل
تأمرني بشيئ ؟ قال لا تنس احتفالي بذكرى مولدى ؟ قلت له اين ومتى وكيف ومم
وعلام ؟ قال : تسألني بجميع علامات السؤال ؟ قلت له مثلك يستحق ذلك وأكثر
لئلا يفوتني من محياك نظرة ومن فيك قرقرة ! قال : بعد غد ! اذا تمّ للبحر
بعد الجزْر مدّ ! وعلى ظهر أعلى سدّ ! قلت له كم مضى من عمُرك ؟ قال المائة
من السنين الا يومان ! ألم أقل لك بعد غد ؟ قلت له سمعاً وطاعة ! قال
بوركت يا ولدي ! قلت سعدتَ يا والدي ! وافترقنا هو يبتسم وأنا للمستقبل
أرسُم !!! بقلم الأديب وصـــــــفي المشهـــراوي !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق