مسمار جحا بقلم علي الشافعي
أتعرفون ـــ أيها السادة الأفاضل ـــ
جحا وقصة مثل مسماره الشهيرة ( مسمار جحا) . ولمن لا يعرف هذه نبذة مختصرة
عن حياته , ثم قصة مسماره , ثم متى يقال المثل .
جحا
شخصية فكاهية انتشرت في كثير من الثقافات القديمة , ونسبت إلى شخصيات عديدة
عاشت في عصور ومجتمعات مختلفة . في الأدب العربي نسب جحا إلى (ابي الغصن
دُجين الفزاري ) , الذي عاصر الدولة الأموية . وهو أقدم شخصيات جحا ,
والنكات العربية تنسب له . وفي الأدب التركي ، نسبت قصص جحا إلى الشيخ (نصر
الدين خوجه ) , الرومي الذي عاش معاصرا الحكم المغولي لبلاد الأناضول .
ومعظم القصص المعروفة في الأدب العالمي تنسب له . جحا رجل فقير كان يعيش
حياته بطريقة مختلفة , متماشية مع الأحداث التى كانت تدور من حوله , فكان
يتصرف بالحيلة وبذكاء كوميدى , ساخرا منها تارة ومتمردا عليها تارة اخري ,
فانتشرت قصصه ومواقفه , فتناقلها الناس وزادوا عليها من شاء لهم , فنتج عن
ذلك تأليف الكثير القصص المنسوبة اليه , كل شخص كان يروى قصصه بطريقته
الخاصة .
واعجابا بهذه الشخصية فقد صممت اغلب الامم (جحا) خاصاً
بها , بما يتـلاءم وطبيعتها , وظروف الحياة الاجتماعية فيها . ومع أن
الأسماء تختلف وشكل الحكايات ربما يختلف أيضاً ، ولكن شخصية (جحا) الذكي
البارع الذي يدعي الحماقة , بحماره الشهير لم تتغيّر , وهكذا تجد شخصية
(نصر الدين خوجه) في تركيا، و(مُلّا نصر الدين) في إيران وكوردستان . ومن
الشخصيات التي شابهت جحا بالشخصية في الادب العالمي (غابروفو) بلغاريا ،
و(أرتين ) أرمينيا صاحب اللسان السليط ، و(آرو) يوغسلافيا المغفل.
اما قصة المثل فيقال والعهدة على الراوي ان جحا في احدى السنوات العجاف ؛
اظلمت الدنيا في عينيه , ضاقت عليه بما رحبت , فاضطر ان بيع داره وكانت
عزيزة عليه , فعرضها للبيع عدا مسمار مثبّت في الجدار , وكتب في العقد انه
يحق له زيارة المسمار , والاطمئنان عليه في أي وقت يشاء . لم يعر المشتري
هذا الشرط اهتماما , ونفّذ البيع , وبموجب الشرط اخذ جحا يتردد على البيت
في الوقت المناسب وغير المناسب : وقت الراحة وقت الغداء وقت العشاء مما
اجبر المشتري ان يرد له البيت بأبخس الاثمان للخلاص من جحا ومسماره العجيب
هذا هو جحا وهذه هي الحيلة التي رسمها لاستعادة البيت , والاستفادة من
فارق السعر بين البيع والشراء . اما متى يضرب فأقول لكم : تعلمون ــ يرحمكم
الله ــ ان بناتنا هذه الايام مؤهلات للعمل خارج البيت , ولا يفقهن من
شؤون البيت من طبخ ونفخ وعيره الا بمقدار معرفتي بفتل المفتول البلدي (
اكلة فلسطينية تشبه الكسكسي المغربي) , يعانين الى حد كبير من الكسل
والاتكالية , وكذلك الحال بالنسبة لشبابنا , فعندما تخطب البنت تجلس امام
امها تتباكى على سريرها الذي تنام عليه , فهي تحبه حبا يجعلها معه لا تصبر
كثيرا على فراقه , وانه عندها بغلاوة ابن الحلال وربما اكثر, وتوصى امها
بالعناية به وترتيبه , رغم انني واثق من انها لم تكن تهتم به سابقا , وكذلك
الشاب . وبحجة اشتياق كل منهما لسريره يقضيان نصف الشهر عند أمه والنصف
الاخر عند امها , فيكسبان اللقمة الطيبة المريحة بلا تعب ولا نصب , وخاصة
ان اغلب صبايا هذه الايام اذا دخلت المطبخ احتاست وعملت فيه كركبة , ناهيك
عن روائح الشياط والحرق . فنقول عن السرير هذا ( مسمار جحا) , وكذلك يضرب
مثل مسمار جحا لبعض المتطفلين الذي يطرقون ابواب جيرانهم في اوقات غير
مناسبة بحجج واهية .
خلينا ندخل شوي في العميق , تعرفون ان جميع
بلداننا العربية قد رزحت تحت نير الاستعمار فترة من الزمان , ويقال انها
وبحمد الله استقلت بدليل ما نشاهده هذه الايام , لكن الاستعمار قبل ان
يغادر غرس في كل بلد مسمارا يستطيع العودة اليه وقت يشاء , فمنهم من غرس
مدرسة , ومنهم من غرس جمعية , يقال انها خيرية او جامعة والغاية من ذلك
تعليم فكر وثقافة المستعمر . فنقول هذا مسمار جحا , ولعل اطول مسمار غرس
في قلب الامة هو دولة بني صهيون , لتقضي على كل محاولة لتوحيد اركانها ,
ولتبقى كل دولة متقوقعة متشرذمة , ومتمترسة خلف حدود اقامها لها الاستعمار ,
والخيبة الكبرى اننا وطوال فترة دراستنا نهتف كل صباح بلاد العرب اوطاني
. طبتم وطا بت اوقاتكم .