السبت، 31 مايو 2014

قصة قصيرة للشاعر حافظ نجيب


‫#‏الجزء‬ الثاني _
من الفصل الأول ....
♡♡♡♡♡
( 1 )
.. كان والدي _ رحمة الله عليه _ واحداً من أكبر تجار الأسكندرية الذين كانوا يمسكون في أيديهم زمام تجارة القماش ، ليس في الأسكندرية وحدها فحسب ولكن في كل أنحاء مصر ..
وقد كان يريدني أن أصبح مثله ذات يوم فأتولي تجارته بعد رحيله ، خاصة و أنا ابنه الوحيد ، ولكنني دائماً ما كنتُ أجد ميولاً للجلوس في المنزل والتفرغ للقراءة بنهم في شتى علوم المعرفة ، وبالأخص علوم الذرّة و الفلك ، وكنتُ وأنا في مرحلة عمرية مبكرة قد قرأتُ نظرية النسبية " لأنشتين " ، وفهمتها كل الفهم هذا إلى جانب العديد من الأبحاث العلمية التي تدور حول فكرة الزمن ..

.. لذلك ، كنتُ لا أجد أية متعة في الوقوف إلي جوار والدي أشاهده وهو يتعامل مع التجار بحنكة ودهاء لامثيل لهما حتى تربح تجارته ، الأمر الذي يجعلني أفرُ منه هارباً إلى المنزل ، حيث مكتبة جدي الكبيرة ، والمليئة بكافة أنواع الثقافة والمعرفة ، وكان جدي وقتها قد شارف على التسعين من عمره ، الأمر الذي كان يسبب له أن يفقد ذاكرته وتركيزه في أغلب الأوقات ، ولكنه على كل حال كان يتمتع بإرادة قوية تجعله يتغلب على شيخوخته ليتصرف معي وكأنه لايزال في بواكير شبابه ، وكنتُ لذلك أرى فيه قدوتي ومثلي الأعلى ...
إنها .. " إرادة التحدي " ، تلك التي تجعله ينهـض مـن فراشه ليجلس أمام مكتبه يقصُ عـليّ مـا قرأه ومـا تعـلمه وما اكتبسه من خبرات ،

وقد كان يحسُ فيَ عبقرية كامنة بداخلي لاتزال ، لاسيما وأنا أناقشه بكل طلاقة في الذرّة وتكوينها ومدي إرتباطها الوثيق بنشأة الكون وبمجموعتنا الشمسية .. أناقشه في ذلك ، وأنا بعد لم أكن قد بلغتُ العشرة سنين الأولى من عمري ..
وعندما كان " الزهايمر" يغـلبه فاقداً إياه كثيراً من ذكرياته وخبراته ومعلوماته ، يمد لي يده بكتبه القديمة البالية طالباً مني أن أقرأها ..... كان يقول لي :
ـــ الإنسان يطلب لذاته الخلود ، ويأسف كثيراً لعجـزه عن تحقيق حلمه هذا ، غـير واع أن خلوده الحـقـيقي لا يكـون إلا بين طيات الكتب ، فهي الوحيدة التي سوف تخلد بعـد أن ننتهـي جـميعـاً لتروي بعد ذلك قصتنا . وربما لكلماته هذه .. أمسك بقـلمي الآن لأخلد على هذه الورقات كل ما حدث معي ، فتقرأه أنت ، وتقرأه بعـدك ، كل الأجيال ..

****

لن أنسي أبداً تلك الأيام البعيدة التي عنفني فيها والدي ليجعلني صورة منه أفعل ما يفعله ، متطبعاً بطباعه ..
.. لن أنسى ذلك اليوم الذي ضربني فيه وسط عماله وزبائنه ، بعصاه الخشبية التي كان يتكأ عليها في مشيته ، كل هذا لمجرد أنه دخل عليّ المحل ، فوجدني جالساً وراء مكتبه ، وغارقاً تماماً في القراءة ، أتذكره وهو يهوى عليّ بعصاه ، وأذكر غضبه الشديد مني ، وأذكرُ أكثر جملة اعتاد علي قولها لي :
ـــ " لقد خاب أملي فيك " كنتُ أريد أن أخلق منك رجلاً ناجحاً . .. ولأول مرة أرد عليه ،
وأسأله وهو في قمة ثورته :
ـــ وهل جدي أصبح لم يكن رجلاً ناجحاً ؟ ..
ولم يزده هذا إلا سخطاً وغضباً عليّ ... ولما سألتُ والدتي عن سر كراهيّة والدي ليَ كلما رآني أمسك بكتاب أقرأه ، قالت لي :
ـــ لأنه لا يجيد الكتابة والقراءة ، ومن ثم لا يجد فيها أي نفع لك .. وسألتها قائلاً :
ـــ ولماذا ينشرح صدرك عندما تجديني عاكفاً على القراءة والكتابة ؟
أجابتني :
ـــ لأنني أجيد القراءة والكتابة ، وأعرف قيمتهما جيداً للإنسان ..
وبعد ذلك صمتت أمي ، فسألتها قائلاً :
ـــ ولماذا تزوجتي أبي وهو لا يعرف القراءة والكتابة ؟
وبدأت لوهلة شاردة ، بعدها ابتسمت لي قائلة :
ـــ سأقصُ عليك قصتي مع والدك ، وسوف تعرف إجابة سؤالك بنفسك ..

وبدأت أمي روايتها .. والتي عرفتُ منها ، أنها حصلت على ليسانس الآداب قسم الفلسفة ، وأنها أرادت لو تكمل دراستها لولا أن تزوجت من
" مختار " أبي ، والذي رفض مجرد تفكيرها في أمر مثل هذا ، وشدتني رواية أمي وجذبت إليها كل حواسي كانت قصة زواجها من أبي فريدة ،

وكانت هي سبيلي الأول في طريق الحب بمثل ما كان جدي سبيلي الأول أيضاً ، ولكن في سبيل العلم ..
****
# تابعوني _ في الجزء الثالث _ من الفصل الأول ( بطل أسطوري ) ..
حافظ نجيب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق