السبت، 20 سبتمبر 2014

قصيدة للشاعرة الشاعرة سنية مدوري ـ تونس


قصيدة الشاعرة سنية مدوري الفائزة بجائزة الإبداع بمسابقة نازك الملائكة للإبداع النسوي ببغداد 2014 المرتبة الأولى.
…في انْتَظَارِ القَصِيدَة
بَيَاضٌ بَيَاضْ
جَنَائِزُ خَلْفَ الجَنَائِزِ
تَزْحَفُ فوقَ رُخَامِ الحَقِيقَةِ،
لا يَدَ تَحْضُنُ رِيشَ الْمُنَى،
لا سِمَات لِتِلْكَ الوُجُوهِ الْمُطِلَّةِ
مِنْ بِئْرِ وَحْشَتِنَا، لا مِيَاهَ لِنَحْيا بِهَا،
ثُمَّ نُشْرِعَ صَوْبَ التُّخُومِ مَرَاكِبَنَا،
لا مَلاذَ لَنَا لا نَصِيرْ
* * *
وَتَأْتِي القَصِيدَةُ،
رَغْمَ هُرُوبِ الْمَجَازِ، وَفَقْرِ المِزَاجِ
إلى الاِسْتِعَارَةِ تُلبِسُ كلَّ الحُرُوفِ
جَنَاحَيْنِ من قَلَقٍ وحَرِيرْ
* * *
وَتَأْتِي القَصِيدَةُ،
لاَ شَيْءَ أَنْبَلُ مِنْ صَمْتِ أَيْقُونَةٍ
في كَنَائِسِ وَحْدَتِهَا، وهْيَ تَغْرَقُ في طُهْرِهَا،
كَرَغْوَةِ حُلْمٍ حَبِيسٍ يُجاهِدُ في أَنْ يَطِيرْ
* * *
وَتَأْتِي القَصِيدَةُ،
كُنَّا نُبَاغِتُ لَيْلَ الشَّرَانِقِ
بِالأُغْنِيَاتِ البَسِيطَةِ، نَصْحُو
عَلَى شَهْقَةِ النَّايِ يَنْسَلُّ
مِنْ قَصَبِ اليَمِّ، مِثْلَ الأَجِنَّةِ
مِنْ رَحِمِ الأُمَّهَاتِ،
بُعَيْدَ مَخَاضٍ عَسِيرْ
* * *
وَتَأْتِي القَصِيدَةُ،
رِيحٌ تُجَهِّزُ أَحْصِنَةً للرَّحِيلِ،
تُدَاعِبُ رَمْلَ الصَّحَارَى،
وتُحْبِلُ كُلَّ النَّخِيلِ العَقِيمِ،
بِمُزْنٍ مَطِيرْ
* * *
وتَأْتِي القَصِيدَةُ،
أُمٌّ تعِدُّ حَقَائِبَ زَوْجٍ مُسَافِرْ،
وتُقنِعُ بُلبُلَ رَغْبَتِهَا بِلِقَاءٍ حَمِيمٍ
عَلَى رِيشِ طَائِرْ
وتَعْرِفُ، في عُمْقِ
أَحْشَائِهَا، كَمْ تُقَامِرْ
تُصَدِّقُ قَلْبًا كَسِيرْ
* * *
وَتَأْتِي القَصِيدَةُ،
لا وَقْتَ كَيْ نَحْتَسِي الشَّايَ
فَوْقَ الأَرِيكَةِ، نَسْمَعَ بَعْضَ
الأَغَانِي القَدِيمَةِ، نَحْتَرِفَ الحَكْيَ
مِثْلَ جَمِيعِ النِّسَاءِ وَنُطْنِبَ فِي الوَصْفِ
لاَ وَقْتَ حَتَّى نَرَى
مَا نَرَى
أَنْ نَرَى مَثَلاً: فَوْقَ قُطْنِ الغُيُومِ،
هُنَاكَ، أَكَالِيلَ وَرْدٍ، وبَعْضَ الْفَوَاكِهِ
تُنْسِيكَ طَعْمًا مَرِيرْ
* * *
وَتَأْتِي القَصِيدَةُ،
كَمْ مِنْ عَرَائِسِ حَلْوَى
سَنَصْنَعُهَا لِلْمَلائِكَةِ الطَيِّبِينَ،
وَكَمْ مِنْ طَوَاحِينَ للرِّيحِ
نَرْكَبُهَا ذَاهِلِينَ، وَكَمْ
مِنْ صَبَاحٍ يُضَمِّدُ جُرْحًا أَلِيمَا،
وَيَحْقُنُنَا أَمَلاً ضِدَّ هَذَا السَّوَادِ الخَطِيرْ..؟
* * *
وتَأْتِي القَصِيدَةُ،
تَنْثُرُ لَوْزًا، وتَنْزِفُ عِطْرًا،
وَتَقْطُرُ صَبْرًا، كَدَمْعِ الشُّمُوعِ
تَيَبَّسَ فِي الْقَاعِ،
كَيْ يُهْدِيَ النَّاسَ أَقْبَاسَ نُورْ
* * *
وَتَأْتِي القَصِيدَةُ،
مِثْلَ الفَرَاشَاتِ مُفْعَمَةً بالرَّبِيعِ،
مُحَمَّلَةً بالحِكَايَاتِ والوَرْدِ،
أَجْمَلَ مِنْ نَجْمَةٍ فِي أَعَالِي السَّمَاءِ،
وأَبْيَضَ مِنْ أُمْنِيَاتِ وَلِيدٍ صَغِيرْ
* * *
أَ تَأْتِي القَصِيدَةُ حَقًّا،
وَهَذي القُلُوبُ جَفَاهَا الدُّعَاءُ،
وتِلْكَ العُيُونُ هَوَاهَا البُكَاءُ،
وَبَعْضُ المَسافاتِ أَضْيَقُ مِنْ عَيْنِ طَيْرٍ
وَأَحْزَنُ مِنْ شَاهِدَاتِ الْقُبُورْ..؟
* * *
سَتَأْتِي القَصِيدَةُ،
ذَاتَ فَرَاغٍ يُمازِجُهُ البَوْحُ والأُمْنِيَاتُ،
سَتَأْتِي كَنَهْرٍ نَمِيرٍ تُهَمْهِمُ فِي صَمْتِهِ الرَّغَبَاتُ،
سَتَأْتِي يُجَلِّلُهَا الاخْضِرَارُ الْقَشِيبُ
وَتَفْضَحُهَا الكَلِمَاتُ
وَحَتْمًا سَنَنْسَى عَذَابَاتِ عُمْرٍ
ظَنَنَّا أُفُولَ الْقَصِيدَةِ فِيهِ،
وَأَنَّ ابْتُلِينَا بِأَشْقَى مَصِيرْ

سَنَنْسَى،
لِنَنْسُجَ ثَوْبَ القَصِيدَةِ
خَيْطًا، فَخَيْطَا،
لِهَذَا الصَّبَاحِ الأَمِيرْ
الشاعرة سنية مدوري ـ تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق