السبت، 15 أغسطس 2015

(قهر الرجال) بقلم علي الشافعي

(قهر الرجال) بقلم علي الشافعي
كلما مر علي حديث رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ الذي يستعيذ فيه بالله من غلبة الدين وقهر الرجال , أتوقف عند عبارة قهر الرجال هذه ، لأتذكر رحلة سنوية كنا مضطرين للقيام بها في السبعينات والثمانينات الى الوطن الحبيب المحتل , حتى لا نفقد الهوية وبالتالي حق المواطنة , وذلك قبل عملية السلام .
تبدا الرحلة مع بداية طقطقة عجلات الباص فوق الجسر الخشبي على نهر الاردن باتجاه الضفة المحتلة . والرحلة من الجسر وحتى نهاية نقطة التفتيش , وهي بالمناسبة حوالي 500متر, كنا نطلق عليها (رحلة العذاب) . وقد تستغرق من ساعتين الى 10 ساعات , وذلك حسب مزاج العاملين في نقطة التفتيش الاسرائيلية .
مع بداية الرحلة وطقطقة العجلات كما ذكرت , تتعطل لغة الكلام , تنظر الى الركاب وكأن على رؤوسهم الطير, واجمين , كل يردد في سره الآية الكريمة : ( وجعلانا من بين ايديهم سدا , ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) . يتوقف الباص فور عبور الجسر ليصعد اليه عسكور اسرائيلي صغير السن لا يكاد يرتفع راسه عن مقاعد الباص , يلبس بدلة اكبر من حجمه وسلاحه اطول منه . يقف مقطب الجبين قائلا : يالّه يالّه( بترقيق اللام) كله بنزل كله بنزل . فينزل الجميع بعد تسليم الهويات والتصاريح اليه , ينزلون الى ساحة صغيرة خالية من كل شيء الا بعض المقاعد الخشبية , يجلس عليها كبار السن والنساء . يبدا هذا العسكور بالدوران حول الباص والاستمتاع بمنظر الركاب مهم ساكتين واجمين , لا يسمح لاحدهم قول او عمل أي شيء , يتفكرون في الحكمة من تسليط هذا الغلام على رقاب ما انحنت في حياتها الا لله جل شانه .
تمر الدقائق وكأنها ساعات في حرارة صيف الغور اللاهبة , حتى تأتي الاوامر بان نقطة التفتيش جاهزة لاستقبال الباص , عند ذلك يسمح للركاب بالصعود وينطلق الباص بصحبة احد الجنود الى النقطة التفتيش حيث ينزل الركاب وتدخل الحقائب بعد وضع الارقام عليها للداخل . ثم يصطف الركاب , الرجال في ناحية والنساء والاطفال في ناحية اخرى , لتبدا مرحلة جديدة من مراحل رحلة المتاعب . هذا الكلام طبعا ــ اخواني ــ كان قبل عملية السلام , اما اليوم فقد تغير الامر كثيرا !!! اصبح الجسر اسمنتيا بدل الخشب, وارتحنا فقط من طقطقة العجلات .
تبدا هذه المرحلة بدخول الركاب الواحد تلو الاخر الى غرفة مساحتها متر مربع فقط , تسمى غرفة التفتيش الجسماني حيث ( وتخيلوا معي رحمكم الله رجلا في السبعين ) سيضطر لخلع ملابسه كاملة عدا ما يستر العورة فقط , ثم يضع حذاءه مع عكازه وعقاله في سلة , يُذهَب بها للفحص الدقيق . بعد ذلك يمرِّر المفتش جهازا على جسم الرجل والويل له اذا اصدر الجهاز صوتا . وبعد التفتيش الدقيق يسمح له بارتداء الملابس , ثم يخرج حافيا ويجلس على مقعد خشبي في صالة كبيرة بانتظار الحذاء اكرمكم الله , ينطلق بعد ذلك الى شباك ختم التصاريح . يبدأ مجند او مجندة بالنداء على الاسماء بلغة عربية مكسرة: (خاتم اخمد, ألي ابد فتاخ) الخ.. فاذا ختم تصريحك فانت محظوظ ففي نهاية المطاف ستبيت بين الاهل والاحباب . وان لم يختمه فاعلم انك ستؤخَذ الى حيث لا تدري . واذا كنت من المحظوظين ستُعطَى مع التصريح ورقة فيها عدد من البنود , تتعلق بسير عملية التفتيش , ومع الخبرة ستقع عينك اول ما تقع على دائرة حول رقم لن تنساه في حياتك هو رقم 13 , أي انك ستذهب الى الغرفة رقم 13. تذهب وتجلس على بابها ساعة ساعتين او اكثر حتى ينادَي عليك , لتجلس امام رجل خلف مكتب يتكلم معك بالعربية مع لكنة عبرية اسمع خبيبي إخنا بنعرف عنك كل اشي , ما تخبي علينا . فيسالك عن البيضة واللي باضها وين كنت ماذا تعمل أي البلاد زرتها , من اصحابك واهلك واقاربك وماذا يعملون وانتماؤهم السياسي , الخ .. ولا ينسى ان يذكر لك اسماء بعض معارفك من اهل البلد , وانهم ادلوا بمعلومات عنك ليثير الشك في نفسك تجاههم , حتى اذا ما انتهيت منه ذهبت الى تفتيش الملابس والامتعة , فتخيل رعاك الله انك مع اسرتك وسيقوم مجند بتفتيش الملابس قطعة قطعة حتى الملابس الداخلية امام ناظريك , فهل هناك قهر واذلال للرجال اكثر من هذا ؟ المهم تعيد الملابس للحقيبة ثم تخرج من باب نقطة التفيش لتشم اطيب رائحة شممتها في حياتك , وتسمع اصوات سائقي السيارات العربية مرحبين بك يسالونك: اين تريد ؟ فينطلق لسانك ويشرق وجهك ونعلم انك داخل وطنك الحبيب وبين الاهل والاحباب وتحس ان هذه اللحظة انستك عذابات نقطة التفتيش, و انك مشتاق الان لتقبيل كل ذرة تراب على ارض الوطن الطهور. طبتم وطابت اوقاتكم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق