(قهر الرجال) بقلم علي الشافعي
كلما مر علي حديث رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ الذي يستعيذ فيه بالله من غلبة الدين وقهر الرجال , أتوقف عند عبارة قهر الرجال هذه ، لأتذكر رحلة سنوية كنا مضطرين للقيام بها في السبعينات والثمانينات الى الوطن الحبيب المحتل , حتى لا نفقد الهوية وبالتالي حق المواطنة , وذلك قبل عملية السلام .
تبدا الرحلة مع بداية طقطقة عجلات الباص فوق الجسر الخشبي على نهر الاردن باتجاه الضفة المحتلة . والرحلة من الجسر وحتى نهاية نقطة التفتيش , وهي بالمناسبة حوالي 500متر, كنا نطلق عليها (رحلة العذاب) . وقد تستغرق من ساعتين الى 10 ساعات , وذلك حسب مزاج العاملين في نقطة التفتيش الاسرائيلية .
مع بداية الرحلة وطقطقة العجلات كما ذكرت , تتعطل لغة الكلام , تنظر الى الركاب وكأن على رؤوسهم الطير, واجمين , كل يردد في سره الآية الكريمة : ( وجعلانا من بين ايديهم سدا , ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) . يتوقف الباص فور عبور الجسر ليصعد اليه عسكور اسرائيلي صغير السن لا يكاد يرتفع راسه عن مقاعد الباص , يلبس بدلة اكبر من حجمه وسلاحه اطول منه . يقف مقطب الجبين قائلا : يالّه يالّه( بترقيق اللام) كله بنزل كله بنزل . فينزل الجميع بعد تسليم الهويات والتصاريح اليه , ينزلون الى ساحة صغيرة خالية من كل شيء الا بعض المقاعد الخشبية , يجلس عليها كبار السن والنساء . يبدا هذا العسكور بالدوران حول الباص والاستمتاع بمنظر الركاب مهم ساكتين واجمين , لا يسمح لاحدهم قول او عمل أي شيء , يتفكرون في الحكمة من تسليط هذا الغلام على رقاب ما انحنت في حياتها الا لله جل شانه .
تمر الدقائق وكأنها ساعات في حرارة صيف الغور اللاهبة , حتى تأتي الاوامر بان نقطة التفتيش جاهزة لاستقبال الباص , عند ذلك يسمح للركاب بالصعود وينطلق الباص بصحبة احد الجنود الى النقطة التفتيش حيث ينزل الركاب وتدخل الحقائب بعد وضع الارقام عليها للداخل . ثم يصطف الركاب , الرجال في ناحية والنساء والاطفال في ناحية اخرى , لتبدا مرحلة جديدة من مراحل رحلة المتاعب . هذا الكلام طبعا ــ اخواني ــ كان قبل عملية السلام , اما اليوم فقد تغير الامر كثيرا !!! اصبح الجسر اسمنتيا بدل الخشب, وارتحنا فقط من طقطقة العجلات .
تبدا هذه المرحلة بدخول الركاب الواحد تلو الاخر الى غرفة مساحتها متر مربع فقط , تسمى غرفة التفتيش الجسماني حيث ( وتخيلوا معي رحمكم الله رجلا في السبعين ) سيضطر لخلع ملابسه كاملة عدا ما يستر العورة فقط , ثم يضع حذاءه مع عكازه وعقاله في سلة , يُذهَب بها للفحص الدقيق . بعد ذلك يمرِّر المفتش جهازا على جسم الرجل والويل له اذا اصدر الجهاز صوتا . وبعد التفتيش الدقيق يسمح له بارتداء الملابس , ثم يخرج حافيا ويجلس على مقعد خشبي في صالة كبيرة بانتظار الحذاء اكرمكم الله , ينطلق بعد ذلك الى شباك ختم التصاريح . يبدأ مجند او مجندة بالنداء على الاسماء بلغة عربية مكسرة: (خاتم اخمد, ألي ابد فتاخ) الخ.. فاذا ختم تصريحك فانت محظوظ ففي نهاية المطاف ستبيت بين الاهل والاحباب . وان لم يختمه فاعلم انك ستؤخَذ الى حيث لا تدري . واذا كنت من المحظوظين ستُعطَى مع التصريح ورقة فيها عدد من البنود , تتعلق بسير عملية التفتيش , ومع الخبرة ستقع عينك اول ما تقع على دائرة حول رقم لن تنساه في حياتك هو رقم 13 , أي انك ستذهب الى الغرفة رقم 13. تذهب وتجلس على بابها ساعة ساعتين او اكثر حتى ينادَي عليك , لتجلس امام رجل خلف مكتب يتكلم معك بالعربية مع لكنة عبرية اسمع خبيبي إخنا بنعرف عنك كل اشي , ما تخبي علينا . فيسالك عن البيضة واللي باضها وين كنت ماذا تعمل أي البلاد زرتها , من اصحابك واهلك واقاربك وماذا يعملون وانتماؤهم السياسي , الخ .. ولا ينسى ان يذكر لك اسماء بعض معارفك من اهل البلد , وانهم ادلوا بمعلومات عنك ليثير الشك في نفسك تجاههم , حتى اذا ما انتهيت منه ذهبت الى تفتيش الملابس والامتعة , فتخيل رعاك الله انك مع اسرتك وسيقوم مجند بتفتيش الملابس قطعة قطعة حتى الملابس الداخلية امام ناظريك , فهل هناك قهر واذلال للرجال اكثر من هذا ؟ المهم تعيد الملابس للحقيبة ثم تخرج من باب نقطة التفيش لتشم اطيب رائحة شممتها في حياتك , وتسمع اصوات سائقي السيارات العربية مرحبين بك يسالونك: اين تريد ؟ فينطلق لسانك ويشرق وجهك ونعلم انك داخل وطنك الحبيب وبين الاهل والاحباب وتحس ان هذه اللحظة انستك عذابات نقطة التفتيش, و انك مشتاق الان لتقبيل كل ذرة تراب على ارض الوطن الطهور. طبتم وطابت اوقاتكم .
كلما مر علي حديث رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ الذي يستعيذ فيه بالله من غلبة الدين وقهر الرجال , أتوقف عند عبارة قهر الرجال هذه ، لأتذكر رحلة سنوية كنا مضطرين للقيام بها في السبعينات والثمانينات الى الوطن الحبيب المحتل , حتى لا نفقد الهوية وبالتالي حق المواطنة , وذلك قبل عملية السلام .
تبدا الرحلة مع بداية طقطقة عجلات الباص فوق الجسر الخشبي على نهر الاردن باتجاه الضفة المحتلة . والرحلة من الجسر وحتى نهاية نقطة التفتيش , وهي بالمناسبة حوالي 500متر, كنا نطلق عليها (رحلة العذاب) . وقد تستغرق من ساعتين الى 10 ساعات , وذلك حسب مزاج العاملين في نقطة التفتيش الاسرائيلية .
مع بداية الرحلة وطقطقة العجلات كما ذكرت , تتعطل لغة الكلام , تنظر الى الركاب وكأن على رؤوسهم الطير, واجمين , كل يردد في سره الآية الكريمة : ( وجعلانا من بين ايديهم سدا , ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) . يتوقف الباص فور عبور الجسر ليصعد اليه عسكور اسرائيلي صغير السن لا يكاد يرتفع راسه عن مقاعد الباص , يلبس بدلة اكبر من حجمه وسلاحه اطول منه . يقف مقطب الجبين قائلا : يالّه يالّه( بترقيق اللام) كله بنزل كله بنزل . فينزل الجميع بعد تسليم الهويات والتصاريح اليه , ينزلون الى ساحة صغيرة خالية من كل شيء الا بعض المقاعد الخشبية , يجلس عليها كبار السن والنساء . يبدا هذا العسكور بالدوران حول الباص والاستمتاع بمنظر الركاب مهم ساكتين واجمين , لا يسمح لاحدهم قول او عمل أي شيء , يتفكرون في الحكمة من تسليط هذا الغلام على رقاب ما انحنت في حياتها الا لله جل شانه .
تمر الدقائق وكأنها ساعات في حرارة صيف الغور اللاهبة , حتى تأتي الاوامر بان نقطة التفتيش جاهزة لاستقبال الباص , عند ذلك يسمح للركاب بالصعود وينطلق الباص بصحبة احد الجنود الى النقطة التفتيش حيث ينزل الركاب وتدخل الحقائب بعد وضع الارقام عليها للداخل . ثم يصطف الركاب , الرجال في ناحية والنساء والاطفال في ناحية اخرى , لتبدا مرحلة جديدة من مراحل رحلة المتاعب . هذا الكلام طبعا ــ اخواني ــ كان قبل عملية السلام , اما اليوم فقد تغير الامر كثيرا !!! اصبح الجسر اسمنتيا بدل الخشب, وارتحنا فقط من طقطقة العجلات .
تبدا هذه المرحلة بدخول الركاب الواحد تلو الاخر الى غرفة مساحتها متر مربع فقط , تسمى غرفة التفتيش الجسماني حيث ( وتخيلوا معي رحمكم الله رجلا في السبعين ) سيضطر لخلع ملابسه كاملة عدا ما يستر العورة فقط , ثم يضع حذاءه مع عكازه وعقاله في سلة , يُذهَب بها للفحص الدقيق . بعد ذلك يمرِّر المفتش جهازا على جسم الرجل والويل له اذا اصدر الجهاز صوتا . وبعد التفتيش الدقيق يسمح له بارتداء الملابس , ثم يخرج حافيا ويجلس على مقعد خشبي في صالة كبيرة بانتظار الحذاء اكرمكم الله , ينطلق بعد ذلك الى شباك ختم التصاريح . يبدأ مجند او مجندة بالنداء على الاسماء بلغة عربية مكسرة: (خاتم اخمد, ألي ابد فتاخ) الخ.. فاذا ختم تصريحك فانت محظوظ ففي نهاية المطاف ستبيت بين الاهل والاحباب . وان لم يختمه فاعلم انك ستؤخَذ الى حيث لا تدري . واذا كنت من المحظوظين ستُعطَى مع التصريح ورقة فيها عدد من البنود , تتعلق بسير عملية التفتيش , ومع الخبرة ستقع عينك اول ما تقع على دائرة حول رقم لن تنساه في حياتك هو رقم 13 , أي انك ستذهب الى الغرفة رقم 13. تذهب وتجلس على بابها ساعة ساعتين او اكثر حتى ينادَي عليك , لتجلس امام رجل خلف مكتب يتكلم معك بالعربية مع لكنة عبرية اسمع خبيبي إخنا بنعرف عنك كل اشي , ما تخبي علينا . فيسالك عن البيضة واللي باضها وين كنت ماذا تعمل أي البلاد زرتها , من اصحابك واهلك واقاربك وماذا يعملون وانتماؤهم السياسي , الخ .. ولا ينسى ان يذكر لك اسماء بعض معارفك من اهل البلد , وانهم ادلوا بمعلومات عنك ليثير الشك في نفسك تجاههم , حتى اذا ما انتهيت منه ذهبت الى تفتيش الملابس والامتعة , فتخيل رعاك الله انك مع اسرتك وسيقوم مجند بتفتيش الملابس قطعة قطعة حتى الملابس الداخلية امام ناظريك , فهل هناك قهر واذلال للرجال اكثر من هذا ؟ المهم تعيد الملابس للحقيبة ثم تخرج من باب نقطة التفيش لتشم اطيب رائحة شممتها في حياتك , وتسمع اصوات سائقي السيارات العربية مرحبين بك يسالونك: اين تريد ؟ فينطلق لسانك ويشرق وجهك ونعلم انك داخل وطنك الحبيب وبين الاهل والاحباب وتحس ان هذه اللحظة انستك عذابات نقطة التفتيش, و انك مشتاق الان لتقبيل كل ذرة تراب على ارض الوطن الطهور. طبتم وطابت اوقاتكم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق