الثلاثاء، 9 فبراير 2016

كلمة للاستاذ على محمود الشافعى

قامة عظيمة اخري ــ ايها السادة ــ من القامات العظيمة في تاريخنا المجيد افتريَ عليها , وشوّهَ تاريخُها بشكل لم يسبق له مثيل , حتى في حياته واثناء فترة حكمه , لدرجة اجباره على التنازل عن العرش . خليفة خسر عرشه من اجل فلسطين . من هو؟ كيف؟ ولماذا ؟ تعالوا ــ يا دام عزكم ـــ ننبش في بطون كتب التراث بعد نفض الغبار عنها , لنحاول الاجابة على الاسئلة الثلاثة . ولنبدأ بالسؤال الاول من هو :
انه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بن السلطان عبد المجيد الأول , هو السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية ، وآخر من أمتلك سلطة فعلية منهم . ولد في شعبان سنة 1258هـ/ 21سبتمبر (أيلول) 1842م . وتلقى تعليمه بالقصر السلطاني وأتقن من اللغات : الفارسية والعربية اضافة الى التركية , وكذلك درس التاريخ وأحب الأدب ، ونظم بعض الأشعار باللغة التركية العثمانية , وعُرف عنه المحافظة على العبادات والشعائر الإسلامية , والبعد عن المسكرات والميل إلى العزلة , وكان حذرا كتوما ، قليل الكلام كثير الإصغاء ، من الصعب غشه ، وكان محافظا على التقاليد الإسلامية الشرقية العثمانية التركية ، وكان مهتماً بالسياسية العالمية ويتابع الأخبار ؛ عن موقع بلاده منها بعناية فائقة ودقة نادرة . تولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة ، في 11 شعبان 1293هـ، الموافق 31 آب (أغسطس) 1876م ، وكان عمره آنذاك 34عاما . اتصف الرجل بصفات قيادية فذّة أهّلته لأن يجعل من قضية الإسلام همّه الأول , ومن إنقاذ الدولة العثمانية في عهدها الأخير من براثن الأعداء في الداخل والخارج ، وكان هذا سر الحملة الظاهرة التي شنّها الأعداء لتشويه صورته وتدمير قيادته التي كانت بمثابة خلافة المسلمين . لقد برهن السلطان عبد الحميد الثاني أنّه قادر على إدارة دفة الدولة في مرحلة من أخطر المراحل التي مرّت بها الدولة العثمانية ، وقد أظهر حنكة جعلته الرجل الذي أخّرَ سقوط الدولة العثمانية ربع قرن . لعل من أعظم مشروعاته الحضارية هو سكة حديد الحجاز لتيسير الحج على المسلمين ، بحيث يستعاض بهذا المشروع عن طريق القوافل الذي كان يستغرق السفر به أربعين يومًا ، وانخفضت المدة بالخط الحديدي إلى أربعة أيام
اما الكيف فقد ألصقت به كثير من التهم : فاتهم بالدكتاتورية والاستبداد والطغيان والجهل . فكان كل حاقد أو طاعن على الدولة التي ظلت تحتضن الخلافة الإسلامية حتى أوائل القرن العشرين يرى في السلطان الذي هو رأس الدولة , والهدف الذي ينبغي أن تصوب له سهام الحقد . فألصقوا به كل نقيصة , وشوّهوا تاريخه و طعنوا فيه , وخاصة اليهود الذين جمعوا امرهم , واستفزوا شياطينهم في الداخل والخارج , وخاصة المحافل الماسونية , اضافة الى جمعية الاتحاد والترقي العلمانية , فالّبوا الناس واستنفروا قسما من الجيش . و ضخمت الصحافة الخاضعة للنفوذ الصهيونى هذا التحرك و كأن الجيش العثمانى بتمامه قد هب فى وجه السلطان عبدالحميد , وأن هذه الانتفاضة نابعة من الشعب التركي نفسه , أدى ذلك إلى نجاح حركة الجيش فى 24يوليو 1908م و خضوع السلطان عبدالحميد لمطلب الجيش ثم إلى تنحيته تماما عن العرش عام 1909 , وكان الذى أبلغ السلطان قرار الخلع هو (قره صو ) عضو حزب الاتحاد و الترقى اليهودى مؤسس محافل سلانيك الماسونية , وكان ذلك فعلا بداية تمزيق الخلافة , أرسلت بعد ذلك الحكومة ــ التى تولاها كمال أتاتورك ــ الحاخام حاييم ناحوم مندوبا لها إلى لاهاى واناطت به معالجة القضية التركية فمهد السبيل إلى الصلح الذى أقرت فيه تركيا بالتنازل عن صبغتها الاسلامية وعن اللغة العربية والشريعة الاسلامية . وذكر السلطان عبدالحميد – رحمه الله - في مذكراته في رسالة كتبها بعد خلعه من الحكم إلى شيخه محمود أبو الشامات " : ( أنني لم أتخلَ عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم جون تورك و تهديدهم اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا علىّ بان أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف , وأخيرا وعدوا بتقديم 150 مليون ليرة إنجليزية ذهبا فرفضت هذا التكليف . لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد على ثلاثين سنة فلم أسود صحائف المسلمين آبائي واجدادي من السلاطين والخلفاء , وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى (اسلانيك ) فقبلت هذا التكليف الأخير وحمدت المولى وأحمده أنى لم أقبل أن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة ) .
اما لماذا شوهت صورة الرجل , فيكمن في هذه الرسالة ورده عليها . اما الرسالة فهي من (تيودور هرتزل ) مؤسس الحركة الصهيونية للسلطان عبد الحميد تقول : " ترغب جماعتنا في عرض قرض متدرج من عشرين مليون جنيه إسترليني ، يقوم على الضريبة التي يدفعها اليهود المستعمرون في فلسطين إلى جلالته ، تبلغ هذه الضريبة التي تضمنها جماعتنا مائة ألف جنيه إسترليني في السنة الأولى ، وتزداد إلى مليون جنيه إسترليني سنويًّا . ويتعلق هذا النمو التدريجي في الضريبة بهجرة اليهود التدريجية إلى فلسطين ، أما سير العمل فيتم وضعه في اجتماعات شخصية تعقد في القسطنطينية ، مقابل ذلك يهبُ جلالته الامتيازات التالية : الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، والتي لا نريدها غير محدودة فقط ، بل تشجّعها الحكومة السلطانية بكل وسيلة ممكنة ، وتعطي المهاجرين اليهود الاستقلال الذاتي ، (دولة شبه مستقلة في فلسطين)" .
اما الجواب فكان : "انصحوا الدكتور هرتزل بألاّ يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع ؛ إنّي لا أستطيع أن أتخلَّى عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست مِلْك يميني، بل مِلْك الأمة الإسلامية التي جاهدت في سبيلها ، وروتها بدمائها ، فليحتفظ اليهود بملاينيهم ، وإذا مزقت دولة الخلافة يومًا فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن . أما وأنا حيٌّ فإنّ عمل المِبْضَع في بدني لأهون علىّ من أن أرى فلسطين قد بُتِرت من الدولة الإسلامية ، وهذا أمر لا يكون ؛ إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة" . ثم ارسل مذكرة الى متصرف القدس يطلب فيها منع اليهود من الاستيطان فيها وفي كل انحاء فلسطين .
هذا الموقف المشرّف من السلطان عبد الحميد (سياسته تجاه القضية الفلسطينية) جعله هدفا للتخلص منه , فاجمع الاعداء كيدهم وضربوا ضربتهم التي اصابت الامة في مقتل لا زلنا نعاني منه حتى اليوم . احس اليهود اذن ان السلطان عبد الحميد سيكون حجر عثرة امام الحلم الكبير وهو اقامة الوطن القومي لهم . التقى ذلك مع مطامع الغرب في تمزيق دولة الخلافة , وسلخ اجزاء منها , وخاصة دول البلقان واليونان , ادت هذه المؤامرات الى تأليب الداخل وخلعه بمساعدة الجيش مما مهد الطريق امامهم لتمزيق دولة الخلافة ؛ والتي كان للعرب بعد ذلك في الحرب العالمية , وبمؤامرات واتفاقات ووعود مشبوهة , كان لهم دور بارز في القضاء عليها وقتل وطرد افراد الجيش العثماني من بلاد بني عرب , في معارك اسموها حرب التحرير العربية , واعدوها من موقفهم البطولية , وقالوا : طردنا الاستعمار التركي . تبا لامة قطعت يدها وجدعت انفها بسيفها .
اقول ـــ ايها الافاضل ـــ هذا رجل ضحّى بعرشه من اجل فلسطين , وقال :لا , في عصر اعتاد الزعماء على طأطأة الرؤوس وقول : (يا سيدي امرك امرك يا سيدي) عم الاعتذار للمطرب الكبير الراحل عبد الحليم حافظ . هذا رجل ضحّى بعرشه من اجل فلسطين , لنجد اليوم من يبيع فلسطين من اجل كرسي نخر السوس ارجله . طوبى لك يا اخر الرجال المحترمين . طبتم وطابت اوقاتكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق